كتابات وآراء


الأربعاء - 17 يوليه 2024 - الساعة 01:25 م

كُتب بواسطة : القاضي عبدالناصر سنيد - ارشيف الكاتب


تساءلت مامعنى وقائع القضيه والذي يرد ذكره كثيرا في قرار الاتهام الصادر من النيابه العامه؟ هل معناه يتعلق بمحتوى ملف النيابه العامه؟ أو أن معناه يتجاوز محتوى ملف القضيه ؟،،
الوقائع كما يعرفها فقهاء العلم الجنائي هي السيره الذاتيه للجريمه ابتداء من لحظة ارتكاب الجريمه إلى حين صدور قرار الاتهام المتعلق بهذه الجريمه ، وتنفرد هذه السيره " الوقائع " دون غيرها باعطائنا التفاصيل المرعبه لوقوع مثل هذه الجريمه و الطريقه التي تم بها جمع و تصنيف الادله حتى الوصول إلى مرتكب مثل هذه الجريمه و التحقيق معه بحضور وكيله القانوني و مواجهة المشتبه به " حيث لم يصبح بعد متهم " بكل هذه الادله وتدوين كل ما لديه من اقوال في محاضر النيابه العامه واعطاء المشتبه به الفرصه لتقديم ماينفض به وزر مثل هذه الجريمه عن كاهله،،
فالوقائع هي القلب الذي يبث الحياة في ملف القضيه وينير لملف القضيه الطريق للسير نحو المحكمه بكل ما بباطنه من أدلة وإثبات ، لكن رغم كل هذا العمل الشاق من قبل الامن والمعمل الجنائي وقضاة النيابه العامه يظل هناك سؤال ينبغي على عضو النيابه التفكير الجدي بتداعياته ، هل هذا الملف يحمل مايكفي من الادله والبراهين لإيصال القاضي إلى القناعه الكافيه للحكم بالادانه؟ أو أن هذا الملف ملئ بالثغرات حتى اخمص قدميه قد تعطي المحامين الفرصه الكافيه في التشكيك بمثل هذه الادله ، فالشك هو سلاح كافي لدى المحامين لإقناع القاضي بالحكم بالبراءه وإرسال كل هذه الجهود الذي بذلت من قبل الامن والمعمل الجنائي والنيابه العامه إلى أدراج الرياح ،،
الشك يمكن توظيفه بمهاره لاحداث انقلاب قانوني في القضيه الجنائيه ، فقد يثير المحامي الشك بطريقة جمع الادله أن وجد في ملف القضيه مخالفه تشير إلى ذلك ، وقد يستخدم ورقة الشك في الطريقه التي اخدت بها اعترافات المتهم و يثير الشك بأن مثل هكذا اعترافات قد اخدت تحت الضغط والإكراه أو قد يثير الشك من خلال ايعاز المحامي إلى المتهم بالتراجع الفوري عن الاعترافات التي أدلى بها المتهم أمام النيابه بشأن ارتكاب الجريمه فهنا تكون النيابه العامه في موقف لا يحسد عليه خصوصا اذا اعتمد ملف النيابه العامه على اعتراف المتهم كدليل وحيد ولا اعتبار هنا لمبداء أن محاضر النيابه هي في مقام وقوة المحررات الرسميه الذي لايجوز الطعن فيها إلا بالتزوير ، فالقانون قد أعطى المتهم الحق في التراجع الكلي عن الاعتراف بارتكاب الجريمه معطيا ذات الحق للنيابه العامه لإثبات ارتكاب الجريمه بادله أخرى غير الاعتراف ،،
النيابه العامه تعتبر قانونا خصم في الدعوى الجزائيه ويجب على القاضي وفقا لنصوص القانون التسويه بين الخصوم ، فليس حصيفا أن تتمتع محاضر النيابه العامه بهذه القوه فهذا سيجعل ميزان العداله يختل ويميل بقوه نحو النيابه العامه وهو ما يتعارض مع مبادى المحاكمه العادله،،
من أشد مبادى العداله قدسية هو مبداء المساواة بين الخصوم وتعني أيضا المساواة في تقديم الادله والبراهين ، القاضي وحده من يمتلك كلمة الفصل وفقا للقانون في تقدير قوة هذه الادله و بناء قناعته ومنطوق الحكم عليه،،
القاضي الدكتور عبدالناصر احمد عبدالله سنيد
قاضي في محكمة صيره الابتدائيه